أثبت المخرج الفرنسي الكندي ديني فينليف نفسه كأحد أبرز المخرجين العاملين حالياً في هوليوود عبر فيلمي Prisoners وEnemy في عام 2013 – مع أن أفضل أفلامه لا يزال خارج الأسوار الأمريكية وهو Incendies لعام 2010 – نظراً لأسلوبه الرزين والهادئ المعتمد على الإثارة المتعقلة الرزينة والهادفة؛ ومعالجته الواثقة لأجدد أعماله فيلم Sicario (قاتل مأجور بالمكسيكي) الذي يناقش حرب المخدرات بين الحدود الأمريكية والمكسيكية.
يُسعف السيناريو الذي كتبه المستجد تايلور شيردن من محتواه الشحيح على مستوى الحبكة وتطور الشخصيات، وذلك بالاستعانة بعدسة روجير ديكينز الخبيرة بتصويرها الواقعي والملهم، والأداء المتقن من كافة ممثليه وبالأخص بينيسيو ديل تورو المريب والدقيق دائماً بكل إيماءة يقوم فيها.
النتيجة هنا، أو ما يشعر به المرء خلال مشاهدة الفيلم على الأقل، هو أن تقنية العمل وحرفيته تجعل من مادته تتضاءل من الناحية الترفيهية وتستسلم أمام لقطات ديني فينليف البعيدة والشاهقة للصحراء المكسيكية التي تهدف للتعبير عن جسامة حجم مشكلة المخدرات هناك، والأساليب المتعرجة المتشابكة المستخدمة لمحاربتها من جهة، والضياع والحيرة اللذان يعتريان بطلة الفيلم صاحبة الأخلاق والمثاليات كايت (إميلي بلانت) التي تغسل الدماء عن وجهها دون أن تُدرك أنها لم ترى شيئاً بعد من جهة أخرى.
ومع أن التشويق والتوتر الذين يوظفهما المخرج يأخذان وقتاً مسهباً بين الخطب والأسئلة وهمسات الاجتماعات والأروقة لدرجة قد تشعر المشاهد العادي بالإحباط ونفاذ الصبر وإن كانت رسالته الأساسية مهمة وقائمة على فساد كافة أطراف مكافحة هذه التجارة المتأصلة في أصول حضارة تلك الدولة، نتفهم أخيراً أنها حرب لا يملك الأخلاقيين فيها خياراً إلا المشاركة فيها بلعب دور المتفرج.
لكن اختيار بطلة الفيلم كامرأة “مطلقة” لا تنتمي إلى حياة الذئاب هذه وعملها كجسر مفصلي يعبره الرجال من حولها نحو القبض على تاجر مخدرات لا تعرف عنه أي شيء يؤكد نظرية أن الغاية تبرر الوسيلة العسكرية، حتى وإن كانت هذه الغاية لن تجدي نفعاً على المدى البعيد وقد تصعّد الأمور أكثر، حيث يقترح الفيلم أننا نعيش في عالم يبنيه المخرج ككابوس يائس من العنف المتفاقم الذي لن يسلم من هوله موسيقاه أحد وربما لن نعرف له نهاية في القريب العاجل.
كما أن فيلم Sicario يُقدم الشخوص الأمريكية والمكسيكية من وجهتي نظر أسرية، واحدة فقدت أسرتها لأسباب “غير شخصية” وأخرى ستفقدها لأسباب “شخصية” كلياً، وكلاهما متصل بالآخر وسينجم عن ذلك ضحايا غير مباشرين لم يذنبوا إلا لتواجدهم في ذلك المكان.
يُركز ديني فينليف على صنف عسكري من الرجال اعتاد على خوض حروب محبوكة التخطيط وعمليات تصفية لحسابات تخدم مصالحهم الشخصية، لدرجة تدفعهم للحضور إلى العمل بملابس المنزل ومضغ العلكة بابتسامة مستفزة كما يُتقنها (جوش برولين) على أحسن وجه.
بيد أن هذه المواضيع والتفاصيل الدرامية تقف أحياناً في وجهة طموح الفيلم المبهر بصرياً وتقنياً، لأنها تمنعه من تعريفنا بشكل مقنع ومجدي على شخصياته المعقدة والغنية بشكلها وتاريخها ودون الخوض في عمقها الحقيقي. ولأن العمل يواصل نفي وجود أي أمل لتغيير أو حبل نجاة للفضيلة والأخلاق، وكأنها رسالة محبطة تفيدنا بأن ليس هناك أي جدوى من محاربة تجارة المخدرات.
بهذه الطريقة على الأقل، يخرج المرء من العمل بذات شعور بطلته العاجزة التي تبقى في الظلام وخلف حقيقة الأمر والمخططات إلى حد مبالغ فيه ليس له تفسير مقنع ويدعو للكآبة. حتى أنني لا أرى سبباً وجيهاً قد يستفز أو يدفع مخرجاً فرنسياً كندياً لتقديم فيلمٍ عن الحرب الأمريكية الأزلية على تجارة المخدرات في المكسيك.
إنضم لأكثر من مليون و نصف معجب عبر صفحتنا على الفيسبوك.
تابعإنضم إلين ا عبر جوجل + حيث أكثر من 33 ألف يتابعنا.
تابعإنضم لأزيد من 40 ألف متابع لنا عبر تويتر.
تابعتابعنا على يوتيوب حيث أكثر من مليون و 300 ألف متابع لفيدوهاتنا.
تابع