قراءة في فيلم Inception
ملاحظة: يحتوي المقال على بعض التفاصيل المتعلقة بأحداث الفيلم
يُعدّ فيلم Inception واحد من أيقونات السينما في السنوات العشرة الأخيرة، فالفيلم لم يكن مجرد عمل حقق أرقاما قياسية في شباك التذاكر العالمي فقط، بل كان درساً في السينما، أبدع كريستفور نولان في كتابته على مدى 10 سنوات، وانتجه بميزانية لا تزيد عن 160 مليون دولار، ليحقق إيرادات زادت عن 823 مليون دولار، حاصداً أكثر من 30 جائزة بينها 4 أوسكارات، وأكثر من 60 ترشيحاً لجوائز أخرى. الفيلم من بطولة ليناردو ديكابريو ومن إخراج نولن نفسه، فماذا عن هذا الفيلم؟
يخطف الأنفاس
يخطف المخرج والكاتب كريستفور نولان الأنفاس منذ بداية الفيلم، بتنقله في الزمن بين الماضي والحاضر مسجلاً واحداً من أروع أساليب السيناريو والكتابة الذي تورّط المشاهد بشكل مباشر وتضعه في قلب الحدث، فالتجربة التي كانوا يقومون بها على سايتو في القطار، كانت بحدّ ذاتها فيلم منفصل استطاع فيه المخرج أن يشرح بها آلية عملهم وصلب مشكلتهم والقضية الأساسية للفيلم بمجمله، حيث تُجسّد زوجة كوب عقله الباطن واللاوعي الخاص به.
خارج النسق الزمني المعتاد
تختلف أساليب كتابة السيناريو وطرقها من كاتب لآخر، كما تختلف أسس بناء الشخصيات والقصة والحبكات والاهداف وطرق إيصال الرسائل المرادة من فيلم لآخر، قدّم نولن في فيلم Inception أسلوب جديد وخارج عن المألوف، فالدقائق الستة الأولى من الفيلم تُقدّم وجبة دسمة من الأفكار والطروحات، ستجعل متابع الفيلم يفهم ما يأتي تالياً، وضياع هذه الدقائق سيدخل المشاهد في خانة عدم الفهم.
متابع فيلم Inception سيلاحظ أن المشاهد لم يكن على نسق زمني معين وتسلسل واحد كما هي العادة، بل هي على شكل وقفات بأزمنة مختلفة، وهذا ما يدعى في عالم الكتابة بالـ (Non-chronological narrative) والذي يعتمد وبشكل رئيسي على القفز بين الأزمنة حتى تكتمل في نهاية أجزاء الصورة كاملة في عقل المشاهد مع مشارف نهاية الفيلم.
هذا تماماً ما قدمّه نولن، حيث تنقّل من المستوى الأول في الأحلام إلى الثاني والثالث والرابع والعودة بشكل عكسي، ومن ثم القفز وصولا الى أرض النسيان (The Limbo) مع إعطاء كل مستوى حقّه من الزمن والموسيقى واللقطات مؤكداً على بقاء المشاهد مشدوهاً مشدوداً للحظة الأخيرة.
أفلام داخل فيلم واحد
براعة نولن في صياغة حبكة فيلم Inception أشاد بها النقاد، الذين أكّدوا أن الصعوبات التي كانت تختلف على اختلاف المستويات من الأحلام، مع بقائها في الوقت ذاته مترابطة ببعضها من بداية الفيلم الى نهايته، بالتزامن مع الحفاظ على نفس الهدف بشكل عام، هو أحد من أصعب ما يمكن أن يُقدَّم في عالم الفن السابع.
من خلال كتابته لسيناريو الفيلم بهذا الأسلوب استطاع نولان بكل رشاقة ان ينقل المشاهد في كل مستوى الى فيلم جديد ذو شخصيات وأبطال وصعوبات وأهداف مختلفة عن الذي سبقه، مع ترابطهم مع بعضهم البعض في النهاية، وأيضا استطاع في خضم كل هذا الزخم وبكل خفّة أن يوظّف واحدة من أجمل الخدع العلمية الطريفة بطريقة رائعة التي لم يكن فيها أي تلاعب عدا البصري، والذي بات محصورا في زاوية الكاميرا، الخدعة معروفة باسم (The Penrose steps) وهنا الشرح:
خدعة السلالم
كواليس الخدعة
رسالة فيلم Inception
يحوي فيلم Inception العديد من الزوايا التي يمكن أن يلاحظها المشاهد، ويكتب عنها المدون، ولكن أحد أهم الزوايا هي رسالة الفيلم الخاصة، بعيداً عما قدّمه نولان من متعة وتشويق كمخرج، وبعيداً عما قدّمه طاقم العمل من أداء تمثيلي وتقنيات استثنائية.
لكل نظرته الخاصة عن الفيلم، فالبعض يراه ذو قيمة ومعنى فلسفي، والبعض الآخر يراه فيلم يحمل المتعة والتسويق فقط، ولكن الشيء الرئيسي الذي يتفق عليه الجميع (والذي اُعتِبر ضرب من الخيال) هو زراعة الأفكار في عقول البشر والتي ستتحول فيما بعد إلى أفعال، ضرب الخيال هذا هو تحديداً مع فعله نولن مع مشاهدي الفيلم، إذ قام بتغليف واحدة من الرسائل، استطاع ان يزرعها في عقل المشاهد الباطن وبدون ان يشعر حتى وبكل سلالة وبدون حتى ان تكون واضحة وظاهرة للعلن.
قام حرفياً بهذا الشيء الذي كان يفترضه خيالا في الفيلم ولكنه طبّقه في الحقيقة، واحدة من رسائل الفيلم كانت في الاقتصاد والسياسية (والتأكيد على الفساد العالمي وتحديدا الفساد السياسي الأمريكي)، حيث تقوم شخصيات اقتصادية سياسية ذات نفوذ، بإلغاء عقوبة الإعدام أو حتى مسح أسم شخص متهم بالقتل من جميع انظمة المطارات في واحد من أكثر مطارات العالم تشددا وعبر خلال مكالمة هاتفية واحدة فقط، وبغض النظر عن كون (كوب) بريء من عدمه، الفعل ظل ذاته، تم اعفائه من التهمة من اجل اتفاقية استطاع ان ينفذ جانبه فيها.
إشارات
فكرة فيلم Inception من البداية، هي كيف تتم استخراج الأفكار والمعلومات من الأشخاص عن طريق الاحلام، ولكن أحداث الفيلم كانت حرفيا العكس (والتي جاءت على شكل زراعة فكرة في رأس فيشر).
– الشخصيتان الرئيسيتان في الفيلم كوب (ديكابريو) وآرثر (جوزيف جوردن ليفيت) يطلّان في بداية الفيلم عبر أحلام شخصية سايتو (كين ويتنبا) محاولان استخراج بعض المعلومات السرية، فيما كانت في الحقيقة تجربة أداء واختبار لهما من قبل سايتو من دون علمهما، بهدف أن يرى سايتو مدى براعتهما في العملية حتى يكون متأكد إذا ما كانوا قادرين على القيام بالعمل الذي سيوكلهم به لاحقا.
بطبيعة الحال لا يعقل أن لرجل أعمال كسايتو بهذه الضخامة والمكانة أن يرتاد مقصورة قطار من الدرجة الاقتصادية إلا لسبب وجيه، استطاع المخرج أن يوصل هذه الفكرة البسيطة، بمجرد ابتسامة سايتو بعد خروجهم من مقصورة القطار فور فشل العملية.
– الصراع الداخلي في فيلم Inception كان في عودة (كوب) الى أطفاله، والتي دفعت به الى إعطاء حصته كاملة لجوزيف ومخاطرته بكل شيء والتخلي عن زوجته، والتي كانت أشبه بسعي أدم بطريقة ما أو اخرى للعودة الى الجنة.
– كل تميمة تخص صاحبها ولا تكون صالحة في يد أي شخص آخر هذا ما قاله (كوب) حرفيا، فتميمة (كوب) لم تكن البلبل الدوار، بل كانت الخاتم، أما البلبل كان يخص زوجته (مول)، فخلال فترة الأحلام كان الخاتم في يده اليسرى لارتباطه بزوجته اما في الحقيقة فقد كان بدونه وهذا ما كان يتأكد منه في كل مرة بعد الانتهاء حيث ينظر الى يده اليسرى، جميع مشاهد الحقيقة كانت بدونه، فدوران البلبل في النهاية وعدم توقفه لا يعني انه مات وضاع في عالم النسيان بل أنما هي بمعنى أو آخر بقاء (مول) حية في قلبه وإبقاء النهاية مفتوحة لخيال المشاهد كعادة نولان.
– أبدع هانس زيمر في موسيقى الفيلم، حيث استطاع من خلال نوتة موسيقية بسيطة بعلامات موسيقية قليلة ان يضعنا في حالات من الوحدة والخوف والضياع التي لا توصف والتي اعطت الفيلم جائزتين أوسكار.
إنضم لأكثر من مليون و نصف معجب عبر صفحتنا على الفيسبوك.
تابعإنضم إلين ا عبر جوجل + حيث أكثر من 33 ألف يتابعنا.
تابعإنضم لأزيد من 40 ألف متابع لنا عبر تويتر.
تابعتابعنا على يوتيوب حيث أكثر من مليون و 300 ألف متابع لفيدوهاتنا.
تابع